التحديات التي تواجه الصحفيات في مصر

تاريخ النشر:
الصيغة:
عدد الصفحات:
الوصف:
يناير 4, 2025
PDF
١٠

مقدمة

تواجه الصحفيات في مصر مجموعة من التحديات التي تؤثر على عملهن. وفي مصر حيث تعاني الصحافة من التدهور والتقييد بشكل عام، تعاني الصحفيات بشكل خاص من أزمات تتعلق بالتمييز والانتهاك القائم على النوع الاجتماعي داخل المؤسسات الصحفية، هذه التحديات تتفاوت في حدتها، لكنها تشمل ظواهر عدة؛ مثل التحرش الجنسي في مكان العمل وخلال التغطيات الميدانية، والتهميش من المناصب القيادية والمهمات ذات الأهمية السياسية والاقتصادية، إلى جانب تنميطهن في أدوار وقضايا ذات طابع "نسائي"، وهو ما يحرمهن من فرص تطوير مسارات مهنية متنوعة وشاملة.

وحققت الصحفيات في مصر العديد من الإنجازات ولهن الكثير من بصماتهن داخل بلاط صاحبة الجلالة، رغم ذلك لازالت الحواجز المؤسسية والاجتماعية تشكل عائقًا كبيرًا أمام تحقيق المساواة الكاملة في قطاع الإعلام. حيث تتعرض الصحفيات لضغوط نفسية واجتماعية كبيرة نتيجة لبيئة العمل التي تكون أحيانًا غير آمنة وانعدام الدعم المؤسسي والقانوني الكافي لحمايتهن من التمييز والعنف.

الملخص التنفيذي:

تحديات عدة تواجهها الصحفيات في مصر وتؤثر على حياتهن المهنية والشخصية. هذه التحديات تشمل التحرش الجنسي في مكان العمل والميدان، التمييز في الترقيات والمناصب القيادية، التنميط الوظيفي، غياب الدعم المؤسسي للصحفيات الأمهات مثل الحضانات. بالإضافة إلى ذلك، تتعرض الصحفيات للعنف الميداني والرقابة الذاتية، ما يؤثر على قدرتهن على ممارسة الصحافة بحرية.

تستعرض هذه الورقة التحديات التي تواجه الصحفيات في مصر، بما في ذلك التمييز القائم على النوع الاجتماعي، التحرش في بيئات العمل، والعنف الميداني. كما تسلط الضوء على الأثر النفسي والاجتماعي لهذه التحديات، بما في ذلك القلق، الاكتئاب، والعزلة الاجتماعية.  كما ستتناول الورقة الآثار النفسية والاجتماعية لتلك التحديات . وتقدم الورقة في النهاية توصيات على المستوى التشريعي والمؤسسي وأيضًا المجتمعي  لتحسين أوضاع الصحفيات بما يسهم في تعزيز دورهن في تطوير الإعلام والصحافة في مصر.

الفصل الأول نظرة على الأوضاع الراهنة للصحفيات المصريات

تمكنت الصحفيات في مصر من خوض معارك هامة في سبيل المهنة وحريتها وأيضًا من أجل انتزاع حقها داخل المجتمع بشكل عام والمهنة بشكل خاص، فعلى مدار تاريخ النقابة الممتد طوال 82 عامًا، شارك أربع سيدات وهن نبوية موسي، فاطمة نعمت راشد، فاطمة اليوسف، منيرة عبد الحكيم، في تأسيس نقابة الصحفيين وكن من المؤسسين المائة للنقابة في أول جمعية عمومية لها فى عام 1941، وكانت أول صحفية تفوز بعضوية مجلس نقابة الصحفيين أمينة السعيد في الدورة  14 عام 1954، واستمرت تسع دورات حتى عام 1962، وشغلت منصب وكيل النقابة ثلاث دورات متتالية، ثم غابت الصحفيات عن مجلس النقابة حتى عام 1967، وفى عام  1974 عاد التمثيل النسائي لمجلس النقابة مجددًا، ومنذ ذلك التاريخ توالى التمثيل النسائي داخل مجلس النقابة لكنه ظل ضعيفًا بشكل ملحوظ، فعلى مدار 82 عاما من تأسيس النقابة لم تفز غير 10 صحفيات فقط بعضوية المجلس، ولم تتقلد أي صحفية منصب نقيب الصحفيين إلى الآن.

ورغم المعارك التي تخوضها الصحفيات داخل بلاط صاحبة الجلالة سواء دفاعًا عن المهنة بشكل عام أو من أجل حقوقهن بشكل خاص، لا يزال الواقع يشير إلى أنهن يواجهن تحديات كبيرة تتعلق بالتمييز في الفرص والأجور، وغياب التمثيل في المناصب القيادية. هذه التحديات تستدعي إصلاحات شاملة على مستوى السياسات داخل المؤسسات الإعلامية لتعزيز المساواة بين الجنسين وتحقيق بيئة عمل آمنة عادلة ومستدامة للجميع.

1. التمييز على أساس النوع الاجتماعي

على الرغم من أن نسبة النساء العاملات في الصحافة المصرية ليست قليلة، فالتقديرات الأولية تشير إلى أن ثلث الجمعية العمومية داخل نقابة الصحفيين من النساء، لكن وجودهن لا يزال محدودًا في بعض القطاعات مقارنة بالرجال. 

في المؤسسات الصحفية، توجد نسبة معقولة من الصحفيات اللواتي يعملن كمحررات وصحفيات ورؤساء أقسام، لكن عدد ليس بقليل من المؤسسات الصحفيات يميزون بين توزيع النساء والرجال داخل الأقسام المختلفة للمؤسسة، ففي الوقت الذي يفضلون فيه مجالات محددة للنساء مثل أقسام الثقافة، والفن والمرأة،  تظل تغطية القضايا السياسية والاقتصادية من نصيب الرجال في كثير من الأحيان.

في الإعلام الرقمي، ظهرت فرص جديدة للصحفيات في مصر، حيث تمكنت العديد من النساء من العمل في مواقع إخبارية ومنصات إلكترونية مستقلة، مما أتاح لهن مساحات أكبر للتعبير عن آرائهن وتغطية قضايا متنوعة. ومع ذلك، حتى في هذا المجال، تواجه الصحفيات تحديات تتعلق بالتنميط الوظيفي وعدم المساواة في توزيع المهام بين الصحفيين والصحفيات. وفي ظل توجه عدد غير قليل من الصحفيين والصحفيات إلى العمل في المنافذ الرقمية مقارنة بالتقليدية، لا تزال  هذه المنافذ تعاني من سياسات غير متوازنة فيما يخص الأجور والترقيات.

2. الوصول للمناصب القيادية

رغم الجهود المبذولة لتعزيز دور المرأة في وسائل الإعلام والصحافة المصرية، يظل الوصول إلى المناصب القيادية لا يزال تحديًا كبيرًا أمام الصحفيات. ففي معظم المؤسسات الإعلامية، سواء التقليدية أو الرقمية، تبقى القيادة نصيب الرجال بشكل كبير، مع تمثيل محدود للصحفيات في المناصب العليا مثل رؤساء التحرير ومدراء التحرير . وغالبًا ما تقتصر المناصب القيادية التي تصل إليها الصحفيات داخل المؤسسات الصحفية في معظم الأوقات على أقسام مثل الموضة أو الأسرة أو القضايا الاجتماعية، وهو ما يعكس التنميط الجندري داخل المؤسسات الإعلامية.

أحد الأسباب الرئيسية وراء غياب الصحفيات عن المناصب القيادية هو النظرة والثقافة التنظيمية التي غالبًا ما تفضل الرجال في مواقع السلطة بسبب التصورات الاجتماعية السائدة عن عدم قدرة المرأة على الإدارة أو التعامل مع الضغوط الإدارية والسياسية. وعلى الرغم من وجود أمثلة قليلة لنساء وصلن إلى مناصب قيادية بارزة كان آخرهم علا الشافعي التي تقلدت منصب رئيس تحرير صحيفة اليوم السابع، إلا أن هذه الحالات تمثل استثناءً وليس قاعدة عامة. علاوة على ذلك، فإن غياب الدعم المؤسسي مثل سياسات العمل المرنة أو إجازات الأمومة المدفوعة يؤثر سلبًا على تقدم النساء في المجال الإعلامي والصحفي في مصر ويحد من فرصهن في الوصول إلى المناصب العليا.

3. تكلفة الأمومة

تدفع الصحفيات غالبًا ثمن الأمومة ما يؤثر سلبًا على أدائها المهني وإمكانيات تطورهن،  ويضع تحديات كبيرة أمامها بسبب تزايد الضغوط والمسؤوليات في ظل غياب الحضانات في المؤسسات. إن توفير الحضانات ليس فقط ضرورة لدعم التوازن بين الحياة المهنية والشخصية، ولكنه أيضًا خطوة نحو تعزيز بيئة عمل عادلة للصحفيات. فبتوفير هذا الدعم، يمكن للصحفيات أن يحققن نجاحًا أكبر في مجالهن.

إن عدم توفر حضانات داخل أو بالقرب من المؤسسات الصحفية يجبر الصحفيات على البحث عن حلول بديلة لرعاية أطفالهن، ما يؤدي إلى زيادة الضغوط النفسية والجسدية  والاقتصادية عليهن. إذ أن الصحفيات يلجأن في هذه الحالة للبحث دور حضانة لائقة وآمنة حتى لو لم تكن في محيط مؤسساتها الصحفية ما قد يؤثر على قدرتها على التفرغ التام للعمل أو قبول مهام إضافية مثل العمل الميداني أو ساعات العمل الطويلة.  ويلجأن بعض الصحفيات إلى حلول بديلة لرعاية الأطفال مثل الاعتماد على الحضانات الخاصة أو المربيات، وهي حلول قد تكون مكلفة ولا تتناسب مع دخل الصحفيات، خاصة في ظل تدني أجور الصحفيين في مصر. بالإضافة إلى ذلك، هذه الحلول قد لا توفر الراحة النفسية الكافية للصحفيات إذا كانت غير قريبة من مقر عملهن.

وأحيانًا تضطر الصحفيات لأخذ إجازات طويلة أو التغيب المتكرر عن العمل بسبب عدم توفر رعاية كافية لأطفالهن. وهو ما  قد يُنظر إليه في بعض الأحيان كقصور في أداء العمل، مما ينعكس سلبًا على مسارهن المهني ويقلل من فرص الترقي أو الحصول على مهام حساسة. وبسبب الأعباء الإضافية المتعلقة برعاية الأطفال، قد تجد الصحفيات صعوبة في متابعة برامج التدريب والتطوير المهني أو قبول فرص سفر خارج البلاد لتغطية أحداث مهمة. هذا يؤدي إلى تراجع في فرص النمو المهني مقارنة بزملائهن الذين لا يواجهون نفس التحديات.

إلى جانب هذا وذاك فإن الصحفيات اللواتي يعملن في ظروف تفتقر إلى دعم رعاية الأطفال يواجهن مستويات مرتفعة من التوتر والقلق المستمر على أطفالهن أثناء ساعات العمل. هذا الضغط النفسي قد يؤثر على جودة العمل والتركيز، مما يجعل من الصعب عليهن تقديم أفضل أداء ممكن. إن عدم توفر حضانات يقلل من قدرة بعض الصحفيات على العودة للعمل بعد إجازة الأمومة أو قد يجبرهن على تقليل ساعات العمل أو حتى ترك الوظيفة تمامًا. هذا التقييد لا يؤثر فقط على الصحفيات كأفراد، بل يؤدي أيضًا إلى فقدان القطاع الصحفي لمهارات وخبرات قيمة.

ويعتبر عدم وجود حضانات في المؤسسات الصحفية شكلاً من أشكال التمييز غير المباشر ضد الصحفيات. إذ أن توفير الحضانات يُسهل على الصحفيات الأمهات مواصلة العمل بكفاءة مثل زملائهن الرجال أو النساء اللواتي لا يتحملن مسؤولية رعاية الأطفال. غياب هذا الدعم يعزز من التمييز ضدهن ويقلل من تكافؤ الفرص بين الجنسين في المجال المهني.

4.التحرش الجنسي داخل أماكن العمل 

التحرش والانتهاك في حق الصحفيات المصريات داخل مؤسسات العمل يشكل عقبة كبيرة أمام تقدمهن في مهنة الصحافة. وذلك في ظل غياب سياسات صارمة للتصدي لهذه الظاهرة، بالإضافة إلى الضغوط الاجتماعية والثقافية، التي تزيد من الأعباء على الصحفيات والخوف من الوصم وإلقاء اللوم عليهن أو الاضطهاد في العمل وما قد ينتج عنه ترك الوظيفة أو الفصل التعسفي. لذلك، من الضروري توفير آليات فعالة لحماية الصحفيات وضمان بيئة عمل آمنة وداعمة لهن.

وفيما يلي أبرز الجوانب المتعلقة بهذا التحدي:

أ. أشكال التحرش والانتهاكات: التحرش داخل المؤسسات الصحفية يمكن أن يتخذ عدة أشكال، بما في ذلك:

  • التحرش اللفظي: يشمل التعليقات غير المناسبة ذات الطابع الجنسي أو التلميحات المهينة التي تقلل من قيمة المرأة وتثير شعورها بعدم الارتياح.
  • التحرش الجسدي: يشمل ملامسة غير مرغوبة أو الاقتراب بطريقة غير مهنية، مما يشكل انتهاكًا لحدود الصحفيات الشخصية.
  • التحرش الإلكتروني: من خلال إرسال رسائل غير لائقة عبر البريد الإلكتروني أو وسائل التواصل الاجتماعي من قبل زملاء أو مشرفين.

وخلال السنوات الماضية، اتخذت عدد من الصحفيات منصات التواصل الاجتماعي كوسيلة للبوح وفضح ما يتعرضن له من انتهاك وتحرش لفظي وجسدي وإلكتروني من رؤسائهن ومدرائهن في العمل داخل المؤسسات الصحفية، ما نتج عنه تشكيل لجنة مرأة داخل نقابة الصحفيين للتواصل مع الناجيات والتحقيق في تلك الوقائع ومتابعتها.

ب. ضعف الإبلاغ عن التحرش

في كثير من الحالات، تفضل الصحفيات عدم الإبلاغ عن التحرش الذي يتعرضن له بسبب الخوف من الانتقام أو فقدان الوظيفة. كما أن ضعف أو غياب آليات الإبلاغ والدعم داخل المؤسسات يجعل من الصعب على الصحفيات التقدم بشكوى أو الحصول على حماية قانونية أو مهنية. إلى جانب خوف الصحفيات من التأثير السلبي للشكوى على سمعتهن أو فرصهن المستقبلية في العمل.

ج. الضغط النفسي والتأثير على الأداء المهني

التعرض المستمر للتحرش أو الانتهاك داخل بيئة العمل يضع الصحفيات تحت ضغط نفسي كبير.  ويؤدي هذا الضغط إلى الانخفاض في مستوى الأداء والإبداع، حيث تركز الصحفيات جهدهن على تجنب المواقف المزعجة بدلًا من تطوير مهاراتهن الصحفية. كما يمكن أن يؤدي الشعور بالخوف أو القلق المستمر إلى انسحاب بعض الصحفيات من مهنة الصحافة تمامًا.

د. غياب الدعم المؤسسي

في العديد من المؤسسات الصحفية المصرية، لا توجد سياسات واضحة أو صريحة وحازمة للتعامل مع التحرش أو الانتهاكات بحق الصحفيات. وفي أغلب الحالات، تتجاهل الإدارة هذه الشكاوى أو تحاول التستر عليها وإنكارها اعتقادًا منهم أن هذا حماية لسمعة المؤسسة، مما يفاقم المشكلة. إلى جانب هذا لا يوجد وحدات متخصصة داخل المؤسسات الصحفية للتحقيق في شكاوى التحرش، ما يزيد من صعوبة التصدي لهذه الانتهاكات بشكل فعال.

ه. التأثير على تقدم الصحفيات المهني

الصحفيات اللواتي يتعرضن للتحرش والانتهاكات سواء داخل المؤسسات الصحفية أو أثناء عملهن الميداني،  قد يشعرن بأنهن في بيئة غير داعمة وغير عادلة، مما يدفعهن إلى التراجع عن متابعة مسارات مهنية معينة أو قبول تحديات أكبر. وقد تتجنب بعض الصحفيات الانخراط داخل المؤسسات الصحفية أو التغطيات ميدانية بسبب الخوف من التعرض لمزيد من التحرش. وفي مصر لا يزال المجتمع يعاني من بعض الأفكار التي تجعل من الصعب على النساء التحدث علنًا عن تعرضهن للتحرش، سواء داخل العمل أو خارجه. كما أن الخوف من الفضيحة أو التشهير والوصم يمكن أن يكون دافعًا قويًا لعدم الإبلاغ عن الانتهاكات. وبعض الصحفيات قد يشعرن بالخجل أو الضغط الاجتماعي بعدم الكشف عن هذه الانتهاكات، مما يؤدي إلى تفاقم مشاعر العزلة والمعاناة النفسية.

و. ضرورة تعزيز الوعي وتطبيق القوانين

للحد من هذه الظاهرة، يجب على المؤسسات الصحفية تعزيز سياسات صارمة ضد التحرش وتطبيق القوانين بفعالية وإصدار مدونات سلوك لخلق بيئة عمل آمنة للصحفيات والصحفيين. كذلك، يجب أن يتم تدريب الموظفين على كيفية التعامل مع قضايا التحرش وضمان وجود بيئة عمل آمنة للجميع. بالإضافة إلى ضرورة وجود لجان مستقلة للتحقيق في الشكاوى المتعلقة بالتحرش والانتهاكات وتعتبر هذه الخطوة مهمة نحو تحقيق العدالة وحماية حقوق الصحفيات.

الفصل الثاني العنف الميداني والرقابة الذاتية (حرية الصحافة)

تواجه الصحفيات صعوبات مضاعفة  تؤثر على أدائهن وقدرتهن على ممارسة مهنتهن بحرية، مما يجعل معالجة هذه التحديات أمرًا ضروريًا لتحقيق بيئة صحفية عادلة وديمقراطية. هذه الصعوبات ترتبط ارتباطًا وثيقًا بحرية الصحافة التي تعاني من التقييد والحصار على مر العصور وازداد الأمر منذ العام 2016، مع سن عددًا من التشريعات المقيدة للعمل الصحفي، وسيادة سياسة احتكار المؤسسات الصحفية.

  • العنف ضد الصحفيات في الميدان

إن العنف الذي يحدث أحيانًا تجاه الصحفيين من بعض الأجهزة الأمنية أو المصادر ضد الصحفيين والصحفيات أثناء التغطية الميدانية، يؤثر بالسلب على حرية الصحافة و يُمثل تهديدًا مباشراً لسلامة الصحفيات وقدرتهن على أداء عملهن بحرية وأمان. وفي كثير من الحالات، تتعرض الصحفيات لعنف جسدي أو لفظي أثناء تغطية الأحداث السياسية أو الاجتماعية أو أثناء العمل الميداني بشكل عام ، مما يؤثر على قدرتهمن على ممارسة مهنتهن بشكل مستقل ويحد من تنوع الأصوات الصحفية. 

ويستخدم العنف ضد الصحفيات أحيانًا كوسيلة لإرهابهن ومنعهن من تغطية الأحداث الميدانية. وغالبًا يكن الصحفيات أهدافًا لعنف مضاعف نظرًا لكونهن نساء، مما يعزز الرغبة في إقصائهن عن المشهد الإعلامي. هذا العنف يعيق وصول الصحفيات إلى مواقع الأحداث، ما يساهم بشكل كبير في تكريس  التمييز القائم على النوع الاجتماعي فيما يخص الأدوار والمهام داخل المؤسسات الصحفية.

وعندما تكون الصحفيات عرضة للعنف أو التهديد أثناء العمل الميداني، فإن ذلك يؤثر على جودة التغطية الإعلامية. ويعنى تقييد حركتهن أو حجبهن عن الوصول للحدث الميداني أن جزءًا من الرواية الحقيقية للأحداث قد لا يصل إلى الجمهور، مما يقلل من دقة التقارير الإعلامية ويضر بالديمقراطية التي تعتمد على المعلومات الحرة.

  • الرقابة الذاتية

بسبب التهديدات الأمنية التي تلاحق الصحفيين وتقييد حرية الصحافة واستمرار حبس الصحفيين، تلجأ بعض الصحفيات إلى تشديد الرقابة الذاتية على أنفسهن. ما ينتج عنه تجنبهن تناول مواضيع حساسة أو مثيرة للجدل مثل الفساد، حقوق الإنسان، أو القضايا السياسية، خوفًا من الانتقام أو المضايقات. هذا النوع من الرقابة الذاتية يمثل انتهاكًا غير مباشر لحرية الصحافة. هذه الرقابة تحد من قدرة الصحفيات على تقديم تحقيقات استقصائية جريئة، مما يؤثر سلبًا على حرية الصحافة وحق الجمهور في الحصول على معلومات شاملة وشفافة.

الرقابة الذاتية لا ترتبط فقط بالخوف من السلطات أو الأجهزة الأمنية، بل تمتد أيضًا إلى الضغوط الاجتماعية والثقافية. ففي بعض الأحيان، تواجه الصحفيات قيودًا اجتماعية تتعلق بما يُسمح لهن بتغطيته أو مناقشته. على سبيل المثال العنف الجنسي الذي تتعرض له النساء، مما يدفع الصحفيات إلى تجنب مثل هذه القضايا لتفادي النقد المجتمعي أو الوصم الشخصي. ما يحد من قدرتهم على ممارسة حرية التعبير ونقل القضايا المهمة للجمهور.

الفصل الثالث الآثار النفسية والاجتماعية للتحديات التي تواجه الصحفيات

إن التحديات التي تواجهها الصحفيات، سواء كانت مرتبطة بالعنف، التحرش، التمييز أو الضغوط المهنية، لها آثار نفسية واجتماعية عميقة تؤثر على حياتهن الشخصية والمهنية. هذه التحديات تخلق بيئة غير آمنة وشديدة التعقيد. وتترك هذه التحديات آثارًا نفسية واجتماعية عميقة. القلق، الاكتئاب، فقدان الثقة بالنفس، والعزلة الاجتماعية هي بعض النتائج السلبية التي تعاني منها الصحفيات في بيئات عمل غير آمنة. ولتحسين هذه الأوضاع، من الضروري اتخاذ خطوات فعالة لدعم الصحفيات نفسيًا، تعزيز الحماية المؤسسية، وتوفير بيئة عمل تتيح لهن ممارسة مهنتهن دون خوف أو تمييز.

1. القلق والتوتر النفسي

إن الصحفيات اللواتي يواجهن التحرش، التمييز، أو العنف غالبًا ما يعانين من مستويات مرتفعة من القلق والتوتر. ما يخلق حالة من عدم الاستقرار النفسي. وقد يشعرن الصحفيات بالقلق حيال الذهاب إلى العمل أو التواجد في بيئات معينة، مما يؤثر على قدرتهن على التركيز وأداء المهام الصحفية بكفاءة.

2. الاكتئاب والشعور بالعزلة

التعرض المتكرر للتمييز أو التحرش يمكن أن يؤدي إلى الاكتئاب والشعور بالعزلة. وقد يشعرن الصحفيات بعدم القدرة على التعبير عن معاناتهن أو مشاركة تجاربهن مع الآخرين بسبب الخوف من عدم التصديق أو التهميش أو الوصم أو الانتقام المؤسسي. وغالبًا، يتم تجاهل مشاكلهن داخل المؤسسات الصحفية، مما يزيد من شعورهن بالعزلة والاضطراب النفسي.

3. الإرهاق المهني

تتسبب التحديات المستمرة التي تواجه الصحفيات في الإرهاق المهني.  ويشعر أغلب الصحفيات بأن جهودهن غير مقدرة أو أنهن لا يحصلن على نفس الفرص التي يحصل عليها زملائهن الذكور، مما يؤدي إلى فقدان الحماس للعمل والشعور بالإحباط. ويؤدي الإرهاق المهني إلى انخفاض الإنتاجية أو الرغبة في ترك المجال الصحفي بشكل كامل.

4. فقدان الثقة بالنفس

الصحفيات اللواتي يتعرضن للتهميش أو التمييز بناءً على النوع الاجتماعي يمكن أن يشعرن بأنهن أقل كفاءة أو غير قادرات على النجاح في المهنة. هذا التأثير النفسي يحد من قدرتهن على التقدم والتميز، ويؤدي إلى تقليص طموحاتهن المهنية.

5. الخوف من الانتقام والرقابة الذاتية

الخوف من الانتقام أو التعرض للعنف يجعل العديد من الصحفيات يمارسن الرقابة الذاتية. بدلاً من التعامل مع مواضيع مهمة أو حساسة والاشتباك معها. وقد يتجنبن الكتابة أو التحقيق في قضايا محددة لتفادي التعرض لمخاطر إضافية. هذا يؤثر على حريتهن في التعبير ويزيد من الضغوط النفسية المرتبطة بالشعور بأنهن غير قادرات على ممارسة المهنة بحرية.

6. الآثار الاجتماعية على العلاقات الشخصية

قد تتأثر حياة الصحفيات الشخصية بسبب ضغوط العمل المتزايدة أو التحديات التي ذكرت أعلاه. وبعض الصحفيات قد يواجهن صعوبة في الموازنة بين العمل والأسرة، وبخاصة أن  توقعات المجتمع التقليدية تلقي عليهن عبء أكبر في الأدوار الأسرية دون وجود دعم حقيقي من الشريك أو المؤسسات ما يزيد من سوء حالتهن النفسية.

7. تأثيرات مجتمعية وثقافية

في بعض الأحيان،  وبسبب التحديات التي تواجه الصحفيات تتفاقم الضغوط الثقافية. ما يزيد من القيود التي تفرضها بعض الأسر والعائلات. وفي هذه الحالات، قد يتم لومهن أو الحكم عليهن بقسوة بسبب اختياراتهن المهنية، مما يزيد من حدة التوتر الاجتماعي ويعزز العزلة.

خاتمة وتوصيات 

تناولت هذه الورقة التحديات المتعددة التي تواجه الصحفيات المصريات، بما في ذلك التحرش، العنف، التمييز في بيئة العمل، والرقابة الذاتية، والتي تؤثر على حقوق الصحفيات في ممارسة عملهن بأمان.كما سلطنا الضوء على الآثار النفسية والاجتماعية لهذه التحديات، بما في ذلك القلق، الاكتئاب، والعزلة الاجتماعية، التي تؤثر سلبًا على جودة الحياة المهنية والشخصية للصحفيات.

وللحد من هذه التحديات وتحسين أوضاع الصحفيات ودعم حقوقهن في العمل. فإن هناك مجموعة من التوصيات يجب العمل على تحقيقها لتوفير بيئة عمل آمنة وشاملة. تحقيق المساواة والعدالة داخل المؤسسات الصحفية وتتضمن التوصيات الآتي:

التوصيات في الإطار المؤسسي: 

  • تفعيل سياسات واضحة لمكافحة التحرش والتمييز: يجب على المؤسسات الصحفية تبني سياسات صارمة ضد التحرش والتمييز على أساس النوع الاجتماعي، وضمان وجود آليات فعالة للإبلاغ عن هذه الحالات دون خوف من الانتقام أو التشهير.
  • تبني نقابة الصحفيين مدونة سلوك تعمل على تطبيقها داخل المؤسسات الصحفية لتوفير بيئة عمل آمنة وداعمة خالية من العنف والتمييز وتؤسس لعلاقات عمل صحية وآمنة.
  • ينبغي إنشاء وحدات داخل المؤسسات لدعم الصحفيات والاستماع إلى شكواهن والتحقيق فيها. 
  • إلى جانب لجنة المرأة في نقابة الصحفيين يجب إنشاء لجنة من الجمعية العمومية لمجموعة من الصحفيين والصحفيات المشهود لهم بحسن الاستماع والسمعة، وذلك للتعاون مع لجنة المرأة  للتحقيق في الشكاوى المقدمة من الصحفيات ضد ما تتعرض له من انتهاك داخل مكان عملها.
  • توفير مرافق مثل الحضانات داخل المؤسسات لدعم الصحفيات الأمهات، مما يساهم في تحقيق توازن بين الحياة المهنية والشخصية.

 التوصيات في الإطار التشريعي:

  • إقرار قانون موحد للعنف ضد المرأة يتضمن تعريفَا دقيقًا لكافة أشكال العنف كما يتضمن عقوبات متدرجة ورادعة لأشكال العنف المتعدد التي تتعرض لها الصحفيات سواء داخل أماكن عملهن أو أثناء التغطية الميدانية أو من المصادر.
  • تعديلات كافة القوانين المقيدة لحرية الصحافة والإعلام والتي من بينها ما يجيز حبس الصحفيين والصحفيات في قضايا النشر 

التوصيات على مستوى المجتمع:

  • على مؤسسات المجتمع المدني تبني حملات توعوية حول أهمية الصحافة النسائية والمساواة في المهنة يمكن أن تلعب دورًا في تغيير المواقف المجتمعية السلبية.
  • كما يجب عليهم التصدي للصور النمطية عن الصحفيات من خلال حملات مناصرة تتحدث عن أدوار الصحفيات  بدلاً من تقييدهن بأدوار تقليدية.
  • ضرورة العمل على تغيير الثقافة المجتمعية التي تبرر التحرش أو التمييز ضد النساء، وذلك عبر الحملات التوعوية والبرامج التثقيفية التي تستهدف الفئات الشبابية والرجال والنساء على حد سواء.

المركز الاقليمي للحقوق والحريات

المركز الاقليمى للحقوق و الحريات هى مؤسسة قانونية مصرية تأسست وفقا للاحكام القانون فى يناير 2016 على يد مجموعة من نشطاء حقوق الانسان الشباب حيث تضم مجموعة من المحامين و الباحثين و يعملون من اجل الدفاع عن حقوق الانسان فى مصر و الاقليم و الذين يتخذون من مبادئ حقوق الانسان مرجعا و من العمل السلمى منهجا لضمان حرية الفرد و كرامته . يسعى المركز للوصول إلى مجتمع منفتح وعادل يتيح حرية البحث عن المعلومات وخلق الأفكار وتلقيها والتعبير عنها وتبادلها مع الآخرين دون خوف أو تدخل ظالم من الدولة وذلك بتمكين أفراد المجتمع ومساعدتهم في الحصول على حقوقهم والتمتع بحرياتهم بتمثيل احتياجاتهم أمام الجهات المسؤولة والتأكيد على ضرورة الالتزام بحقوق الانسان وسيادة القانون.

تابعنا على الفيسبوك

روابط سريعة

  • من نحن
  • الوظائف
  • النشرات
  • المدونة
  • التقارير
  • الأوراق البحثية
  • البرامج

ابق على اطلاع!

© جميع الحقوق محفوظة . المركز الاقليمي للحقوق والحريات