المقدمة:
يهدف هذا الدليل إلى تزويد الصحفيين بالمعلومات الأساسية للكتابة المهنية اللازمة لتغطية القضايا المتعلقة بحرمة الحياة الخاصة في ضوء المواثيق الدولية والدستور المصري. في ظل التطور التكنولوجي المتسارع والتحديات المتزايدة التي تواجه خصوصية الأفراد أثناء التغطية الصحفية والتي قد ينتج عنها انتهاكَا لحرمة الحياة الخاصة المكفولة في الدستور المصري وعددًا من الاتفاقيات الدولية والمخالفة بالتبعية لأخلاقيات العمل الصحفي.
والحياة الخاصة بشكل عام هي حق أساسي لكل فرد، وتضمن له حرية التصرف في شؤونه الشخصية دون تدخل غير مبرر من قبل الدولة أو الأفراد الآخرين. وتشمل مجموعة واسعة من الحقوق من بينها؛ الحق في حماية المعلومات الشخصية والبيانات الخاصة والحق في حماية المكالمات والرسائل والبيانات الأخرى من التجسس، بالإضافة إلى الحق في حماية الحياة الأسرية من التدخل الخارجي وحماية سمعة الفرد من التشهير أو الإساءة.
وتأتي أهمية الدليل لمساعدة الصحفيين/ات في تحقيق التوازن بين حق الجمهور في المعرفة واحترام الحياة الخاصة للأفراد، ما يضمن تقديم صحافة مهنية تحترم أخلاقيات المهنة وتلتزم بالقوانين. ويساهم هذا الدليل في الآتي:
الباب الأول: حرمة الحياة الخاصة بين الدستور والقوانين المصرية
تضمن الدستور المصري الذي يعتبر مصدر التشريع، والقوانين المصرية المختلفة مواد بهدف حماية الحياة الخاصة للأفراد من الانتهاك؛ سواء كان عبر وسائل الاتصال التقليدية أو الحديثة، ويشمل ذلك الصحافة، التكنولوجيا، والاتصالات.
جرم الدستور المصري المُعدل عام 2019، انتهاك الحياة الخاصة بشكل واضح وصريح في مادته 57، إذ نصت على أنه"للحياة الخاصة حرمة، وهى مصونة لا تمس. وللمراسلات البريدية، والبرقية، والإلكترونية، والمحادثات الهاتفية، وغيرها من وسائل الاتصال حرمة، وسريتها مكفولة، ولا تجوز مصادرتها، أو الاطلاع عليها، أو رقابتها إلا بأمر قضائى مسبب، ولمدة محددة، وفى الأحوال التي يبينها القانون.
كما تلتزم الدولة بحماية حق المواطنين فى استخدام وسائل الاتصال العامة بكافة أشكالها ، ولا يجوز تعطيلها أو وقفها أو حرمان المواطنين منها، بشكل تعسفى، وينظم القانون ذلك".
بهذه المادة حمى الدستور المصري الخصوصية الشخصية للأفراد من أي تعدٍ على حياتهم الخاصة دون سند قانوني. كما تضمنت جميع أنواع المراسلات ووسائل الاتصال من التدخل غير المشروع، مثل البريد الإلكتروني، المكالمات الهاتفية، وغيرها، ولا يمكن المساس بهذه الحقوق إلا بناءً على قرار قضائي مسبب، ولفترة زمنية محددة وفي حالات استثنائية ينص عليها القانون.
كما نص الدستور في المادة 99 على أن:"كل اعتداء على الحرية الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة للمواطنين، وغيرها من الحقوق والحريات العامة التي يكفلها الدستور والقانون، جريمة لا تسقط الدعوى الجنائية ولا المدنية الناشئة عنها بالتقادم، وللمضرور إقامة الدعوى الجنائية بالطريق المباشر. وتكفل الدولة تعويضا عادلا لمن وقع عليه الاعتداء، وللمجلس القومى لحقوق الإنسان إبلاغ النيابة عن أى انتهاك لهذه الحقوق، وله أن يتدخل في الدعوى المدنية منضماً إلى المضرور بناء على طلبه، وذلك كله على الوجه المبين بالقانون".
وفي مادتي الدستور نرى أن أي انتهاك للحياة الخاصة، سواء كان عبر وسائل الإعلام أو من خلال أي طرف آخر، مخالفًا للدستور ويعاقب عليه القانون.
2- قانون العقوبات المصري
تضمن قانون العقوبات المصري مادتين لحماية حرمة الحياة الخاصة من أي انتهاك باستخدام وسائل تكنولوجية أو تقليدية.
-المادة 309 مكرر:
نصت المادة 309 مكرر من قانون العقوبات على أنه؛ يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة كل من اعتدى على حرمة الحياة الخاصة للمواطن وذلك بأن ارتكب أحد الأفعال الآتية في غير الأحوال المصرح بها قانوناً أو بغير رضاء المجني عليه:
(أ) استرق السمع أو سجل أو نقل عن طريق جهاز من الأجهزة أياً كان نوعه محادثات جرت في مكان خاص أو عن طريق التليفون.
(ب) التقط أو نقل بجهاز من الأجهزة أياً كان نوعه صورة شخص في مكان خاص.
فإذا صدرت الأفعال المشار إليها في الفقرتين السابقتين أثناء اجتماع على مسمع أو مرأى من الحاضرين في ذلك الاجتماع، فإن رضاء هؤلاء يكون مفترضاً.
ويعاقب بالحبس الموظف العام الذي يرتكب أحد الأفعال المبينة بهذه المادة اعتماداً على سلطة وظيفته. ويحكم في جميع الأحوال بمصادرة الأجهزة وغيرها مما يكون قد استخدم في الجريمة، كما تحكم بمحو التسجيلات المتحصلة عنها أو إعدامها.
كما نصت المادة 309 مكرر (أ) على أنه؛ يعاقب بالحبس كل من أذاع أو سهل إذاعة أو استعمل ولو في غير علانية تسجيلاً أو مستنداً متحصلاً عليه بإحدى الطرق المبينة بالمادة السابقة أو كان بغير رضاء صاحب الشأن.
ويعاقب بالسجن مدة لا تزيد على خمس سنوات كل من هدد بإفشاء أمر من الأمور التي تم التحصل عليها بإحدى الطرق المشار إليها لحمل شخص على القيام بعمل أو الامتناع عنه.
ويعاقب بالسجن الموظف العام الذي يرتكب أحد الأفعال المبينة بهذه المادة اعتماداً على سلطة وظيفته.
ويحكم في جميع الأحوال بمصادرة الأجهزة وغيرها مما يكون قد استخدم في الجريمة أو تحصل عنها، كما يحكم بمحو التسجيلات المتحصلة عن الجريمة أو إعدامها.
هذه المواد في قانون العقوبات تهدف إلى حماية الحياة الخاصة من أي انتهاك باستخدام وسائل تكنولوجية أو تقليدية.
2-قانون تنظيم الصحافة والإعلام (رقم 180 لسنة 2018)
يحظر قانون تنظيم الصحافة والإعلام أي انتهاك لحرمة الحياة الخاصة. حيث تنص المادة 20 منه على أنه: "يحظر في أي وسيلة من وسائل النشر أو البث التعرض للحياة الخاصة للمواطنين. كما يحظر في أي وسيلة من وسائل النشر أو البث تناول مسلك المشتغل بالعمل العام أو الشخص ذي الصفة النيابية العامة أو المكلف بخدمة عامة إلا إذا كان التناول وثيق الصلة بأعمالهم، ومستهدفًا المصلحة العامة." ويفرض القانون عقوبات على الوسائل الإعلامية التي تنتهك حرمة الحياة الخاصة للأفراد.
3- قانون الاتصالات (رقم 10 لسنة 2003)
يحمي قانون الاتصالات المصري الصادر عام 2003، سرية المراسلات والمحادثات الهاتفية، وينص في مادته 73 على: "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تجاوز خمسين ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من قام أثناء تأدية وظيفته في مجال الاتصالات أو بسببها بإحدى الأفعال الآتية:
4- قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات (رقم 175 لسنة 2018)
يحمي هذا القانون الحياة الخاصة للمواطنين في الفضاء الإلكتروني. حيث نصت المادة 25 منه على تجريم انتهاك حرمة الحياة الخاصة عبر الإنترنت أو وسائل الاتصال الحديثة: "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، وبغرامة لاتقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه، أو باحدى هاتين العقوبتين، كل من اعتدى على أى من المبادئ أو القيم الأسرية فى المجتمع المصري، أو انتهك حرمة الحياة الخاصة أو أرسل بكثافة العديد من الرسائل الاليكترونية لشخص معين دون موافقته، أو منح بيانات إلى نظام أو موقع الكتروني لترويج السلع أو الخدمات دون موافقته أو بالقيام بالنشر عن طريق الشبكة المعلوماتية او بإحدى وسائل تقنية المعلومات، لمعلومات أو أخبار أو صور وما فى حكمها، تنتهك خصوصية أى شخص دون رضاه، سواء كانت المعلومات المنشورة صحيحة أم غير صحيحة."
جرمت هذه المادة انتهاك الحياة الخاصة للمواطنين، لكنها في الوقت نفسه استُخدمت لقمع عدد من النساء اللاتي اعتدن التواجد والظهور على منصات التواصل الاجتماعي مثل (فتيات التيك توك)، لما تضمنته هذه المادة من عبارات تضمنته هذه المادة من عبارات غامضة وفضفاضة مثل (حماية القيم الأسرية) التي لم تعرفها المادة ولم تضع لها محددات واضحة، مما فتح المجال أمام التفسير الشخصي والأهواء الشخصية التعسفية.
الباب الثاني: حرمة الحياة الخاصة في المواثيق الدولية
تعتبر حرمة الحياة الخاصة من الحقوق الأساسية التي تضمنها العديد من المواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان. بهدف حماية الأفراد من التدخل غير المبرر في حياتهم الشخصية، بما في ذلك معلوماتهم الخاصة، وعلاقاتهم الأسرية، وخصوصية اتصالاتهم.
1- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948)
نصت المادة 12 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، على أنه: "لا يجوز تعريض أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة أو أسرته أو مسكنه أو مراسلاته، ولا لحملات تمس شرفه وسمعته. ولكل شخص الحق في حماية القانون من مثل هذا التدخل أو تلك الحملات."
ويعتبر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الوثيقة الأم التي وضعت معايير حقوق الإنسان على المستوى الدولي، وأكدت المادة 12 على حرمة الحياة الخاصة باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من كرامة الإنسان.
2- العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (1966)
نصت المادة 17، في العهد الدولي على: "1.لا يجوز تعريض أي شخص على نحو تعسفي أو غير قانوني لتدخل في خصوصياته أو شؤون أسرته أو بيته أو مراسلاته، ولا لأي حملات غير قانونية تمس شرفه أو سمعته. 2.من حق كل شخص أن يحميه القانون من مثل هذا التدخل أو المساس."
ويُلزم العهد الدولي الدول الأطراف باتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان حماية الحياة الخاصة للأفراد من التدخل التعسفي، ويطالب بتوفير حماية قانونية فعالة ضد أي انتهاكات.
3. الميثاق العربي لحقوق الإنسان (2004):
نصت المادة 21 من الميثاق العربي لحقوق الإنسان على أنه: "لا يجوز تعريض أي شخص، على نحو تعسفي أو غير قانوني، لتدخل في خصوصياته أو شؤون أسرته أو بيته أو مراسلاته أو أي حملات غير قانونية تمس شرفه أو سمعته. ولكل شخص الحق في حماية القانون من مثل هذا التدخل أو المساس."
وتتشابه هذه المادة بشكل كبير مع ما ورد في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، مما يؤكد أهميتها في حماية الحياة الخاصة.
4. اتفاقية حقوق الطفل (1989):
المادة 16 من اتفاقية حقوق الطفل نصت على: "1. لا يجوز أن يجري أي تعرض تعسفي أو غير قانوني للأطفال في حياتهم الخاصة أو أسرهم أو منازلهم أو مراسلاتهم، ولا أي مساس غير قانوني بشرفهم أو سمعتهم. 2.للطفل الحق في أن يحميه القانون من مثل هذا التعرض أو المساس."
وتؤكد هذه الاتفاقية على ضرورة حماية خصوصية الأطفال، بما في ذلك في حالات المراسلات أو الحياة الأسرية، باعتبارهم فئة خاصة تحتاج إلى رعاية إضافية.
5. القانون الدولي الإنساني
يضمن القانون الدولي الإنساني الذي يُستخدم في النزاعات المسلحة حماية للحياة الخاصة، إذ تحمي اتفاقيات جنيف (1949) والبروتوكولات الإضافية حرمة الحياة الخاصة للأشخاص غير المشاركين في القتال، بما في ذلك المدنيين والأسرى والجرحى. تحظر هذه الاتفاقيات أي أعمال تهدف إلى المساس بالحياة الخاصة للأفراد مثل انتهاك حرمة المنازل أو المراسلات أو إهانة الكرامة.
الباب الثالث : دور الصحفيين في حماية حرمة الحياة الخاصة
والاستثناءات المبررة للمصلحة العامة
1- دور الصحفيين في حماية حرمة الحياة الخاصة
وفقا لما تضمنه الدستور والمواثيق الدولية، فإنه يجب على الصحفيين/ات الالتزام بالمبادئ المهنية والأخلاقية عند تناول أخبار أو موضوعات تتعلق بحياة الأفراد الخاصة. وتتضمن هذه المبادئ الحفاظ على التوازن بين حق الجمهور في المعرفة وحق الأفراد في الخصوصية، وتتلخص هذه المبادئ في الآتي:
2 - الاستثناءات المبررة للمصلحة العامة
أحيانًا قد يضطر الصحفيون/ات إلى تناول معلومات تتعلق بالحياة الخاصة للأفراد وبخاصة الشخصيات العامة إذا كانت هذه المعلومات تمس المصلحة العامة بشكل مباشر، أمثلة على ذلك:
الباب الرابع الخاتمة
تقع على عاتق الصحفيين/ات مسؤولية حماية حرمة الحياة الخاصة التي كفلها الدستور المصري وأقرت بها المواثيق الدولية، ويجب على الصحفيين/ات أن يكونوا على دراية كاملة بالقوانين والمواثيق الدولية التي تكفل هذا الحق، وأن يلتزموا بالمبادئ المهنية والأخلاقية التي تحفظ التوازن بين حرية الإعلام وحق الأفراد في الخصوصية، ولذلك عليهم بالآتي:
المركز الاقليمى للحقوق و الحريات هى مؤسسة قانونية مصرية تأسست وفقا للاحكام القانون فى يناير 2016 على يد مجموعة من نشطاء حقوق الانسان الشباب حيث تضم مجموعة من المحامين و الباحثين و يعملون من اجل الدفاع عن حقوق الانسان فى مصر و الاقليم و الذين يتخذون من مبادئ حقوق الانسان مرجعا و من العمل السلمى منهجا لضمان حرية الفرد و كرامته . يسعى المركز للوصول إلى مجتمع منفتح وعادل يتيح حرية البحث عن المعلومات وخلق الأفكار وتلقيها والتعبير عنها وتبادلها مع الآخرين دون خوف أو تدخل ظالم من الدولة وذلك بتمكين أفراد المجتمع ومساعدتهم في الحصول على حقوقهم والتمتع بحرياتهم بتمثيل احتياجاتهم أمام الجهات المسؤولة والتأكيد على ضرورة الالتزام بحقوق الانسان وسيادة القانون.
روابط سريعة
ابق على اطلاع!